كبرياء دموع دافئةٍ /الشاعر الجزار الأنيق

****  كِبْرِيَاءُ دُمُوعٍ دَافِئَةٍ. ***

لَسْتَ الَّذِي يَوْمًا أَتَى مُسْتَضْعَفًا
لَمَّا ، رَمَاكَ الْعَصْفُ فِي شُطْآنِي

هَلْ أَنْتَ مَنْ ، لَاحَقْتَنِي مُتَسَوِّلًا
تَرْجُو دُخُولَ مَدِينَتِي وَ أَمَانِي

وَ شَرَحْتَ لِي كَمْ أَنْتَ دُونِي ضَائِعٌ
تَحْتَاجُ فِي حُضْنِي وَ دِفْءِ حَنَانِي 

قَدْ قُلْتَ لِي إِنِّي شِرَاعٌ غَارِقٌ
وَ تَرَى الْمَوَانِئَ فِي مَدَى أَحْضَانِي

أَقْسَمْتَ لِي وَ بَكَيْتَ لِي وَ جَثَوْتَ لِي
وَ عَلَقْتَ مِثْلَ الطِّفْلِ فِي فُسْتَانِي

أَرْهَقْتَنِي ، عَذَّبْتَنِي ، وَ هَزَزْتَنِي 
حَتَّى تَدَلَّى عَطْفُهَا أَغْصَانِي

وَ سَكَبْتُ مِنْ قَلْبِي وَ بِئْرِ مَشَاعِرِي 
وَرْدًا قَطَفْتُ إِلَيْكَ مِنْ شِرْيَانِي 

أَفْرَشْتُ صَدْرًا مِنْ حَنَانِ أُمُومَتِي
وَ حَرِيرَ عَاطِفَتِي،  هُمَا الْأَبَوَانِ

وَ فَتَحْتِ فِي أَيْدِيكَ كُلَّ ضَفَائِرِي 
وَ خَزَائِنِي ، وَ شَعَائِبَ الْمُرْجَانِ 

وَ تَسَاقَطَتْ مَطَرًا ، عَلَيْكَ أُنُوثَتِي
أَطْلَقْتُ كَالْعَمْيَاءِ فِيكَ عَنَانِي 

هَل يَا تُرَى أَنْتَ الَّذِي عَاهَدْتَنِي
وَ رَسَمْتَنِي كَالشَّمْسِ في الْجُدْرَانِ
 
وَ مَسَحْتَ مِنْ كَفَّيْكَ أَلْفَ عَشِيقَةٍ 
قَدْ قُلْتَ لِي ، أَنِّي أَنَا الخَطَّانِ 
 
وَ مَشَيْتَ لِي ، فِي الْمَاءِ كَمْ أَبْهَرْتَنِي
وَ عَرَضْتَ لِي , مِنْ رَقْصِكَ الأَسْبَانِي

نَوَّمْتَنِي ، مَغْنَطْتَنِي ، خَدَّرْتَنِي 
وَ لَبِسْتَ  لِي الْجَزَّارَ  وَ الْقَبَّانِي 

سَافَرْتَ بِي ، حَلَّقْتَ بِي ، وَهَرَبْتَ بِي
وَ رَصَفْتَ  لِي ، جِسْرًا بِلَا عُنْوَانِ

وَ بَنَيْتَ لِي ، قَصْرًا أَزَاغَ بَصِيرَتِي 
صَرْحًا بِلَا سَقْفٍ ، بِلَا أَرْكَانِ 

تَوَّجْتَنِي ، نَادَيْتَنِي بِمَلِيكَتِي
أَجْلَسْتَنِي ، عَرْشًا بِلَا سُلْطَانِ 

كَمْ يَاتُرَى ، لَاعَبْتَنِي ، سَايَرْتَنِي
مَوَّهْتَنِي ، فِي زَحْمَةِ الأَلْوَانِ 

قُلْ لِي لِمَا ذَاكَ الضَّعِيفُ مَعِي غَدَا
مُتَجَبِّرًا ، مُتَكَبِّرًا ، وَ أَنَانِي 

مَاذَا جَرَى ، أَنْتَ الَّذِي عَلَّمْتَنِي
أَنَّ الْمَشَاعِرَ بَذْرَةُ الإِنْسَانِ

شُكْرًا إِذَا أَحْرَقْتَنِي ، وَ كَجُثَّةٍ
وَ رَمَيْتَنِي بِغَيَاهِبِ النِّسْيَانِ

وَ شَبِعْتَ مِنْ خَمْرِي ، وَ حُرِّ فَوَاكِهِي 
وَ خُنِقْتَ مِنْ نَفَسِي ، وَ مِنْ بَرْفَانِي

تِلْكَ الَّتِي بَادَلْتَنِي ، إِذْهَبْ لَهَا
وَ اخْرُجْ مِنَ الْفِرْدَوْسِ لِلنِّيرَانِ 

سَتَعُودُ لِي ، يَوْمًا كَمَا لَاقَيْتَنِي
مُتَأَسِفَا ، مُتَسَوِّلًا  لِزَمَانِي 

وَ تَبُوسُ أَقْدَامِي كَمَا قَدْ جِئْتَنِي
مُتَسَاقِطًا و خَرِيفُكَ الإِثْنَانِ

سَتُجَنُّ لِي لَمَّا تَرَى رَجُلًا مَعِي
تَنْهَارُ فِي صَمْتٍ وَ فِي كِتْمَانِ
 
لَمَّا تَرَى شَعْرِي يُطَايِرُ فَرْحَتِي
لَمَّا أُفَرْقِعُ ، ضِحْكَتِي وَ لُبَانِي

سَتَحِنُّ لي وَ تَمْوتُ لِي كَمْ مَرَّةٍ
وَ سَتَرْتَدِي ، زَمَنًا مِنَ الأَكْفَانِ

طَيْفًا أَطِيرُ عَلَى دُخَانِ سِجَارَةٍ
وَجْهِي سَيَمْلَأُ سُدَّةَ الْفِنْجَانِ

بَعْدِي تَعِيشُ مُمَزَّقَا يَا زَوْرَقِي
وَ مُحَطَّمًا فِي مَرْفَإِ الْحِرمَانِ .

الجزار الأنيق .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كرونا /الشاعر سعيد تايه.. عمان الأردن

جدلية الحزن في الشعر العراقي المعاصر / مقال الأستاذ حسين عجيل الساعدي