قاتل مأجور.. الجزء الأول /الكاتبة ربا
«قاتل مأجور»
قصة قصيرة
الجزء الأول
توقفت السيارة أمام كوخ صغير في وسط الغابة. فُتح بابها الأمامي ليترجل منها شاب طويل القامة، حليق الرأس ومفتول العضلات، من ملامحه يبدو أنه في نهاية عقده الثالث.
تحرك الشاب نحو مؤخرة السيارة، ثم قام بفتحها ليحمل ذاك الجوال القابع بداخلها على كتفه قبل أن يعيد غلقها ويتحرك نحو باب الكوخ.
بعد عدة دقائق كان يمددها على الأريكة الوحيدة الموجودة بالصالة، ثم جلس على كرسي مقابل لها واستمر في مراقبتها حتى بدأت تتململ في نومها فتحفزت جميع حواسه للمواجهة.
بدأت في استعادة وعيها لكن الألم الشديد برأسها والناتج من أثر الضربة التي تلقتها من ذلك الملثم جعلها تتأوه وهي تضع يدها موضع الألم.
حاولت فتح عينيها بصعوبة لتستوعب الضوء الخافت حولها، وجالت ببصرها في المكان قبل أن تتوقف عنده..!
تأملته مليا رغم أن الصورة كانت مشوشة وغير واضحة ثم تحدثت بصوت مبحوح ربما من أثر الصراخ المتواصل الذي أصدرته قبل فقدان الوعي:
-أين أنا؟.. ومن أنت؟!
مازال مستمرا في مراقبتها وقد وصله سؤاليها لكنه بقي صامتا يفكر في إجابة مقنعة يقولها لها. يفكر بأنه ربما فشل في أول مهمة له كقاتل مأجور كما فكر بأن النتائج مؤكد ستكون وخيمة وأنه ربما يفقد حياته بمجرد ظهوره وعودته إلى بيته..!
-من أنت؟ ولماذا أنا هنا؟!!
أخرجته أسئلتها المتكررة من أفكاره المتشابكة فثبت نظراته على عينيها وهو يجيب بأول ما جال بخاطره:
-أنا من أنقذك.
كانت تحاول النهوض وهي ترد عليه بأسئلة إضافية:
-ممن أنقذتني؟ وأين وجدتني بالتحديد؟.. من فضلك اشرح لي كل شيء.
قلّب الأفكار برأسه وعاد بذاكرته إلى الوراء حيث كان الاتفاق مع من كلّفه بالمهمة أن يتخلص منها في البحر بعد أن يذهب بها إلى بيتها المصيفي على الشاطيء كي يبدو للجميع بعد ذلك أن موتها أمر طبيعي وليس به أي شبهة جنائية.
لابد أن يفكر الجميع أن الضحية ودّت أن تختلي بنفسها بعيدا عن الجميع بعد ما حدث معها في الآونة الأخيرة؛ فذهبت إلى بيتها المصيفي لقضاء عطلة، وحين قررت السباحة كان البحر هائجا والموج عاليا فأغرقها ولقيت حتفها بعد صراع.
-هل أنت أصم؟!!
انتبه لسؤالها الوقح فاشتعل غضبا لينهض ويقترب منها على الفور وبلحظة كان يضغط بكفه القوي على مرفقها فآلمها بفعلته لتعاود الصراخ وهي تهتف:
-ابتعد عني أيها الوغد.. أنا غير مصدقة أنك أنقذتني .. بالتأكيد أنت معهم.
ترك مرفقها دافعا إياها ثم ابتعد خطوتين ليعاود تأملها مرة أخرى ولكن بطريقة مختلفة.. عينان بنيتان تلمعان بدموع مترقرقة لتبدو كلون الشكولاتة الذائبة لوجه دائري ببشرة بيضاء شاحبة. شعر أحمر ناري يليق بصهباء نارية مثلها.
-كنت معهم… وربما أنت من ضرب رأسي بوحشية.
قطعت عليه تأمله الفج في ملامحها فضيق عينيه وبدأت أنفاسه تهتاج غضبا وسخطا على كل شيء؛ لقد كشفته، مهمته فشلت بكل المقاييس. من استأجره سوف يقتله لأنه لم ينفذ المهمة المتفق عليها. وهي سوف ترشد عنه لو تركها…!
-ساعدني وسوف أساعدك.
قالتها على أمل أن يحمل بداخله بعض الضمير الانساني وهي تراقب دهشته من أثر جملتها وحدث ما أرادت. صمت ينتظر منها توضيحا وفعلت هي دون إبطاء.
-هؤلاء الأوغاد من المفترض أنهم أطباء قد حلفوا اليمين بأنهم سوف ينقذون الأرواح لكنهم يفعلون العكس، يسلبون الصحة من الفقراء والمحتاجين والمشردين... هؤلاء السفاحين الذين تراهم على شاشات التلفاز يتحدثون عن الضمير والشرف المهني ويتشدقون عن أقسامهم المجانية في جميع فروع مستشفياتهم يتاجرون بالأعضاء البشرية ويقتلون الكثيرين.
-ماذا تقولين؟!!
ظهرت الراحة على وجهها وهي تستمع لسؤاله المستنكر، وترى تأثير جملتها الأخيرة على ملامحه لتضيف بسرعة وهي تقترب منه بتحفز:
-كنت متأكدة بأنك تجهل السبب الحقيقي وراء نيتهم في التخلص مني.
كان ينظر إليها غير مصدق لما تقوله، ربما هي ألّفت هذا السيناريو كي تجعله يتركها تهرب، ولكن لا، لن يسمح لها أن تؤثر عليه بهذا المشهد الدرامي السخيف وسوف يكمل مهمته في الليلة القادمة بعد إخفاقه هذه الليلة بسبب دورية الشرطة التي وجدها تغلق عليه منفذ المرور لهدفه، بالتأكيد سوف يتخلص منها غدا للحصول على باقي الأجر المتفق عليه.
-لم تصدقني.
عادت لتقاطع أفكاره مرة أخرى، تلك الثرثارة التي يفكر جديا أن يغلق فمها بلاصق بعد أن يقيد كفيها وقدميها كي يحصل على بعض الراحة بعيدا عن ملامحها تلك فيعاود رسم خطة تناسب التغيير الذي حدث.
لم يرد على سؤالها فعلمت الإجابة - هو لم يصدقها وصمته خير دليل على ذلك، ناهيك عن تعبيرات وجهه التي أصبحت مظلمة مخيفة.. فمه مشدود كخط مستقيم وكأنه يكتم غيظه، ذقنه غير الحليق لم تستطع إخفاء فكه البارز، أما عن عينيه السوداوين كليل بهيم كانتا مثبتين على عينيها دون خجل… عينيه… يا إلهي !! إنها نفسها عيني الملثم…!
يراقب تأملها السافر لوجهه فتأخذه أفكاره لنقطة إجرامية أخرى، لكنه نفض رأسه من تلك الأفكار الغبية وهو يحدث نفسه أنه ربما عليه العودة بها إلى ذلك المكان وإكمال باقي المهمة وإنهاء الأمر الليلة.
أشاح عنها وقد اتجه إلى خزانة صغيرة وبقي يعبث في محتوياتها حتى عاد إليها يحمل بيديه لاصق عريض و حبل رفيع. رغم رفضه لما يفعله إلا أنه لابد أن ينجح في مهمته الأولى مهما حدث؛ نجاحه في تلك المهمة سوف يتوقف عليه مستقبله، لقد أنفق كل مدخراته على التدريبات المكثفة ليصبح ذلك القاتل المأجور الذي ينهي حياة الأوغاد ليعيش الأبرياء و…
-أنا جوعانة…
تفاجأ من جملتها الغريبة بتلك النبرة الطفولية المستعطفة فنظر إليها لتؤكد له بنفس النبرة:
-لم أتناول الطعام منذ ليلة الأمس.
صمت لبرهة ثم أتى سؤاله الساخر مع ميل رأسه: ولماذا لم تتناولي الطعام؟ ألا يوجد لديكم ما يسد جوعكم كما الفقراء؟!!
قال ذلك وهو يقيم مظهرها الذي يعكس حياة الترف التي يعيشها أمثالها فتقدمت منه خطوتين قائلة: أنت لا تعلم عن كم المشاكل التي أخوضها منذ أيام والتي لم تدع لي أي شهية…
-وهل فُتحت شهيتك الآن... وهنا؟!!
عبست كطفلة فأجبرته على الابتسام ليضع ما بيده على الكرسي ثم يبتعد عنها قائلا: سوف آتي لك بأفضل ما عندي وأنا على يقين بأنه لا يقارن بأقل ما تتناولينه أنت.
بعد عدة دقائق كان يضع أمامها قطعة من الجبن الأبيض، ورغيف خبز لم تتناول مثله من قبل، وكوب من الشاي.
ظلت تتأمل الطعام للحظات قبل أن ترفع رأسها لتقول: لا أريد ذلك.. هل أجد عندك شيئا آخر لأتناوله؟
-للأسف آنستي لا يوجد لدي غير هذا الطعام، والآن كلي وإلا نمت الليلة بمعدة خاوية.
ضيقت عينيها ناظرة إليه بغضب ثم كسرت قطعة صغيرة من الخبز وقبل أن تصل لفمها كانت قبضته تعتصر معصمها وهو يشدها ليجبرها على النهوض وكان ذلك متزامن مع صرختها المتألمة…!
…يتبع
#ربا
تعليقات
إرسال تعليق